نشأة وتطور إدارة المعرفة





نشأة وتطور إدارة المعرفة




 مقدمة
إدارة المعرفة كمصطلح ومفهوم تعتبر من المفاهيم الحديثة التي ظهرت في تسعينيات القرن الماضي، غير أنه عند تناولها في الأوساط الأكاديمية ومؤسسات الأعمال لا يمكن بأي حالٍ من الأحوال فصلها تاريخياً عن المعرفة كمفهوم التي هي أي المعرفة من المفاهيم القديمة، ووجودها مرتبط بوجود الإنسان؛ لذلك نجد الباحثين والمختصين يتناولون هذا المفهوم في سياق المعرفة ذاتها التي هي اساسه، وما ارتباطها بالإدارة إلا لينظمها ويجعلها منها قيمة ذات مردود إيجابي على الفرد والمجتمع. وهذا الارتباط فرضته الثورة المعلوماتية والتقدم التقني الهائل، من أجل جمع وتنظيم وتحديد ومشاركة مصادر المعرفة كونها أصبحت محوراً رئيساً في موارد المنظمات والمؤسسات. كما أن هذا المفهوم يمكن مماثلته بمفهوم إدارة المعلومات فإذا كان من الضروري بناء وتطوير إدارة لموارد المعلومات في المنظمة والمجتمع عموماً، فإن من الحيوي وضع بنية تنظيمية وإنسانية متكاملة تتولى إدارة موارد المعرفة المتاحة مع التركيز على الجزء الأهم في هذه الموارد وهو رأس المال الفكري أو رأس مال المعرفة الذي يعتبر مورد لإنتاج المعرفة الجديدة وابتكار وسائل النهوض بالمجتمع والاقتصاد والحياة الإنسانية (ياسين،2016). وخلال السنوات الماضية تزايد الاهتمام بهذا المفهوم؛ مما دفع بكثير من المؤسسات لتبنيه خصوصاً في قطاع الأعمال، واستطاعت الكثير من هذه المؤسسات تحقيق نجاحات كبيرة كون إدارة المعرفة أصحبت أحد أهم عوامل النجاح في ظل البيئة التنافسية في وقتنا الحاضر. وكطلبة دكتوراه على أعتاب هذا التخصص فإننا سنحاول في هذه الورقة تسليط الضوء على نشأة وتطور هذا المفهوم كمقدمة بسيطة تساعد على فهمه من خلال استعراض التعريفات الاجرائية ذات العلاقة بمفهوم إدارة المعرفة، وأهميته وأهدافه، والجذور التي انطلق منها والمبادئ التي يرتكز عليها والمجالات والمستخدمة.  

مفهوم إدارة المعرفة
يتكون مفهوم إدارة المعرفة من شقين هما "الإدارة و"المعرفة" وحتى نصل إلى تعريف يصف هذا المفهوم بشكل نستطيع من خلاله إدراكه والالمام به فإننا في البدء سنقوم بتعريف شقي هذا المفهوم وهما:
الإدارة (Management)
" هي نشاط ذهني يقوم على التأليف بين عناصر العمل المختلفة وهي رأس المال والعمال والآلات (عناصر الإنتاج) وعنصر التنظيم يهدف إلى الوصول لتحقيق إنتاج السلعة أو الخدمة بأقل التكاليف وأحسن الأداء أو الجودة وهو ما يطلق عليه أكبر كفاية ممكنة" (نور الدين، 2010، ص15).
المعرفة (Knowledge)
  المعنى اللغوي للمعرفة هو الإدراك الجزئي أو البسيط، في حين أن العلم يقال للإدراك الكلي أو المركب، كما تعرف بأنها معلومات أو حقائق يمتلكها الشخص في عقله عن شيء ما (العلي، وأخرون،2012). وهذا التعريف بسيط وغير دقيق في نفس الوقت، فالمعرفة أشمل من الحقائق والمعلومات. فهي "مزيج من الخبرة والقيم والمعلومات السياقية وبصيرة الخبير التي تزود بإطار عام لتقييم ودمج الخبرات والمعلومات الجديدة، فهي متأصلة ومطبقة في عقل العارف بها، وهي متضمنة في المنظمة والمجتمع ليس في الوثائق ومستودعات المعرفة فحسب، ولكنها أيضاً في الروتين التنظيمي والممارسات والمعايير وبعبارة صريحة أكثر أنها معرفة كيف"( المصدر نفسه، ص25).

مفهوم إدارة المعرفة وأهميتها.
  تاريخياً فإن مفهوم إدارة المعرفة يعود ثمانينات القرن الماضي  عبر دون مارشاند "Don  Marchand". أما إيجاد تعريف محدد لمفهوم إدارة المعرفة فهذا كما أشرنا أنفاً من الصعوبة بما كان إيجاد مثل ذلك. وهذا مرده بحسب (Jashapara,2011) إلى تنوع وتعدد الطبيعة العلمية لإدارة المعرفة، فبعضها يمثل وجهة نظر الموارد البشرية وأخرى الإدارة الاستراتيجية، وأخر نظم المعلومات. وطبيعة تعدد التخصصات لإدارة المعرفة كما يرى (الناصر،2015) سلاح ذو حدين فمن جانب أنها ميزة لأي شخص يمكن أن يجدها أساساً إلى فهمها وممارستها، ومن جانب أخر يحتاج تطبيق إدارة المعرفة إلى تحديد مجموعة من الخصائص الجوهرية لتشكيل هذه الإدارة وتمييزها عن غيرها في المجالات الأخرى. وتأكيداً لهذا التنوع فقد أورد (Jashapara,2011) عدداً من التعاريف التي تناولت إدارة المعرفة من وجهات نظر متعددة ومتنوعة - فعلى سبيل المثال - ومن منظور استراتيجي أورد تعريف uit beijerse)) الذي عرفها بأنها تحقيق أهداف المنظمة من خلال إنتاج المعرفة، بينما من منظور نظم المعلومات أورد تعريف (Mertins) التي عرفها بأنها جميع الطرق والأدوات والوسائل في المنهج الشامل التي تساهم في تعزيز عمليات المعرفة الأساسية.  كما أن هناك العديد من التعريفات التي تناولتها من منظور اجتماعي ومنظور تكنلوجي، ومنظور عملياتي. وهذا الأخير ربما كان هو المنظور الأقرب الذي جذب اهتمام كثير من الباحثين والمختصين في هذا المجال وتوسعوا فيه كونه يدور حول عمليات استقطاب المعرفة. ولعل التعريف الأكثر وضوحاً وشمولية لإدارة المعرفة في هذا السياق هي بأنها" حزمة أنشطة استقطاب وامتلاك، وتنسيق، ونشر، وتكوين وابتكار المعرفة واستخدامها لتحسين أنشطة الأعمال الأساسية من خلال الافراد، فرق العمل، وعبر المجالات الوظيفية والتنظيمية" (ياسين، 2016 ، ص ص 38 -39). كما نرى أن هناك سبب أخر أسهم في عدم الوصول إلى مفهوم محدد لإدارة المعرفة، هو نوع المعرفة نفسها، فكما نعلم هناك نوعان من المعرفة: الصريحة وهي الخبرات المحفوظة في الكتب والوثائق.. وضمنية موجودة في العقل البشري. أما أهمية إدارة فهي نابعة من المردود الإيجابي لها سواءً كان هذا العائد الإيجابي للعميل أو للمنظمة نفسها أو حتى للمجتمع إجمالاً، ومن تلك الفوائد جودة الخدمة، رضا العميل، خفض التكاليف خلق بيئة للمنافسة والابداع، زيادة الإنتاجية، دعم القرارات...

 عمليات إدارة المعرفة
إدارة عمليات المعرفة هي الأخرى كانت محل خلاف بين الخبراء والمختصين في هذا الحقل فبعضهم من حصرها في عمليتي الابتكار والمشاركة، وهذا التصنيف قديم نسبياً. إلا أن أغلب الآراء تقريباً اتفقت على أربع أنواع من عمليات إدارة المعرفة وهذه على التوالي بحسب (SMITH, & Lyles,20007) هي خلق المعرفة والذي يشير إلى التطوير التنظيمي الجديد في المجموعات والافراد وتطوير البرامج التي تهدف إلى خلق المعرفة، وتخزين المعرفة واسترجاعها  وهذا يعود إلى تطوير وتنمية ذاكرة المنظمة ، ونقل المعرفة والذي يشير إلى نقل المعرفة إلى أي مكان تحتاجه وتطبقه فيه ، وأخيراً تطبيق المعرفة وهذا يستخدم في صناعة القرار وحل المشاكل بواسطة الافراد والمجموعات في المنظمة. ومع اختلاف بسيط في تغيير بعض مصطلحات هذه الأنواع الأربعة من عمليات إدارة المعرفة، كاستخدام مصطلحات اكتساب، واكتشاف، والتقاط المعرفة.. إلا أنها جميعها تدور في فلك واحد الذي إليه (سميث (SMITH . وفي تفصيل لهذه الأنواع نشير إلى التقسيم الذي ذهب إليه (العلي، وأخرون،2012) وذلك على النحو التالي:
1-     توليد المعرفة (KNOWLEDGE GENERATION) ويعني إبداع المعرفة من خلال مشاركة فرق العمل وجماعات العمل الداعمة لتوليد رأس مال معرفي جديد والمساهمة في اكتشاف المشاكل وإيجاد الحلول لها بصورة ابتكارية مستمرة.
2-     تخزين المعرفة (KNOWLEDGE STORAGE) وهي تعود إلى الذاكرة التنظيمية والتي تحتوي على المعرفة الموجودة في أشكالها المختلفة بما في ذلك الوثائق المكتوبة والمعلومات المخزنة في قواعد البيانات الالكترونية، والمعرفة الإنسانية المخزنة في النظم الخبيرة.
3-     تطوير المعرفة وتوزيعها والذي يركز على زيادة قدرات ومهارات عمال المعرفة وهذا يقود إلى الاستثمار في رأس المال البشري.
4-     تطبيق المعرفة حيث تتطلب المعرفة التعلم والشرح، والتعلم يأت عن طريق التجريب والتطبيق مما يحسن مستوى المعرفة.

الفرق بين إدارة المعرفة وإدارة المعلومات
هناك تشابه كبير وتداخل بين إدارة المعلومات وإدارة المعرفة ولكن إذا ما رجعنا إلى نوعي المعرفة الذي أشرنا لهما سابقاً المعرفة الصريحة (البيانات والمعلومات) والمعرفة الضمنية (الخبرات والمعارف والحكمة) وهذا يعني أن الفرق بينهما يتمحور حول التعامل مع المحتوى فإدارة المعلومات تعمل على جمع وترتيب وحفظ واسترجاع المعلومات وهذا يعنى بالمعلومات المكتوبة التي تندرج تحت المعرفة الصريحة بينما إدارة المعرفة تعنى بما هو أبعد من ذلك أي بالخبرات غير الملموسة والتي قد تكون في أدمغة البشر وهذا يندرج تحت المعرفة الضمنية. وبحسب تيرا وإنجيلوني (2003) فإن بينهما يكمن في سهولة تنظيم المعلومات وسهولة توزيعها على عكس المعرفة التي تصعب إدارتها بسبب وجودها في العقول المتعددة، وهكذا، فان دور إدارة المعرفة هو تهيئة الظروف المناسبة للأفراد للتعلم وتطبيق معارفهم لصالح المنظمة.

علاقة إدارة المعرفة بعلم المكتبات
علم المكتبات أحد العلوم التي تنضوي تحت مظلة علم المعلومات، وعلاقة علم المكتبات بإدارة المعرفة علاقة وثيقة جداً وهذا مرده إلى طبيعة المكتبات المعرفية فهي تقوم على جمع المعلومات وتنظيمها واسترجاعها وبثها وبالتالي هي مستودع للمعرفة. وانطلاقاً من أهمية دور إدارة المعرفة في المكتبات فقد أسس الاتحاد الدولي لجمعيات المكتبات (ifla, 2015) قسماً خاصاً بإدارة المعرفة يشمل استراتيجيات لتبادل المعارف والعمليات والممارسات المتبعة في المنظمات وتحقيق ثقافة المعرفة في المكتبات وبيئة المعلومات. ومن أجل تحقيق المعرفة وإدارتها بفاعلية فقد دأبت كثير من المكتبات ومراكز المعلومات على تصميم البنية الهيكلية الفاعلة لذلك من أنظمة الذكاء الصناعي، وشبكات الانترنت، والكوادر البشرية.. وهي لا شك من خلال ذلك تحقق الكثير من أهداف إدارة المعرفة التي أشرنا لها آنفاً كخدمة المستفيدين، وفي نفس الوقت تقليل التكلفة عليها. ومن أجل تحقيق دور أكبر لإدارة المعرفة في المكتبات يرى (أحمد، 2012) أن إدارة المعرفة في المكتبات تتطلب تركيز الاهتمام علـى البحـوث الناجحة وتطوير المعرفة وخلق قاعدة معرفة، وتبادل وتشارك هذه المعرفة من قبل الفريق في المكتبة بمن فيهم المستفيدون والعمل على تدريب هذا الفريق.

تطبيق المعرفة في المكتبات
قبل الحديث عن تطبيق إدارة المعرفة نشير في الماحة سريعة إلى متطلبات تطبيق المعرفة إجمالاً، فيكاد يتفق جميع الباحثين في هذا الحقل على أن الهياكل التنظيمية، والثقافة التنظيمية، بالإضافة إلى القيادة هي الأساس في تطبيق المعرفة. فالهيكل التنظيمي في المكتبات هو البناء والإطار الذي يحدد الاجزاء الداخلية للمكتبات ومراكز المعلومات، والثقافة التنظيمية هي القيم والاحاسيس والمعتقدات السائدة بين العاملين داخل المنظمة، والقيادة هي القدوة في التعليم المستمر(إبراهيم،2013). وقد أشرنا في اثناء هذه الورقة إلى المعرفة الصريحة المباشرة، والمعرفة الضمنية غير المباشرة وهي التي من خلالهما يمكن تطبيق المعرفة. فيمكن استخدام المعرفة مباشرة من خلال قواعد البيانات والمعرفة المجهزة التي تستخدم في دعم واتخاذ القرار، والمعرفة غير المباشرة التي يحصل عليها موظف المكتبة من خلال الاتصال بالعاملين وتبادل الافكار والخبرات التي تنعكس على أداء العمل(إبراهيم، المصدر نفسه).

الخاتمة   
لا شك أن إدارة المعرفة منحت المنظمات الربحية وغير الربحية قيمة تنافسية وأدوات انتاج جديدة حقق لها الأهداف التي تسعى إلى انجازها والتي أشرنا لها إجمالاً في هذه الورقة كتخفيض التكلفة ورضا العميل وتوفير الجهد والوقت. وقد تناولت هذه الورقة باختصار أهم محاور إدارة المعرفة كمفهومها وأهميتها، كما تناولت عمليات إدارة المعرفة، والفرق بين إدارة المعرفة وإدارة المعلومات، وعلاقتها بعلم المكتبات كأحد العلوم المنضوية تحت علم المعلومات، وكيفية تطبيقها في المكتبات.
المراجع

المراجع العربية
-        إبراهيم، السعيد مبروك(2013). إدارة المكتبات الجامعية في ضوء اتجاهات الإدارة المعاصرة الجودة الشاملة-الهندرة- إدارة المعرفة- الإدارة الالكترونية، ط2، القاهرة: المجموعة العربية للتدريب والنشر.
-        أحمد، علي (2012). مفهوم المعلومات وإدارة المعرفة، دمشق: مجلة جامعة دمشق، استرجعت في تاريخ 26 نوفمبر2016 على الرابط:  http://www.damascusuniversity.edu.sy/mag/human/images/stories/475-512--a.pdf
-        العلي.ع. وآخرون (2012). المدخل إلى إدارة المعرفة، عمان: دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة.
-        نور الدين، عصام(2010). إدارة المعرفة والتكنلوجيا الحديثة، ط1، عمان: دار أسامة للنشر والتوزيع.
-        الناصر، عامر عبدالرزاق (2015). إدارة المعرفة في إطار نظم ذكاء الأعمال، عمان: دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع
-        ياسين، سعد غالب ( 2016 ). إدارة المعرفة المفاهيم النظم التقنيات، ط1 عمان: دار المناهج للنشر والتوزيع.


المراجع الأجنبية

-    Jashapara, Ashok(2011) knowledge management An integrated Approach, ed2, England: Pearson Education Canada
-          - IFLA (2015), About the Knowledge Management Section Retrieved NOVMBER 26, 2016 from http://www.ifla.org/about-the-km-section
-       Smith, m & Lyles ,m.(2007) Handbook of Organization learning and knowledge management.


-       Terra, JC & Angeloni, T. (2003) “Understanding the difference between Information Management and Knowledge Management”, IAMOT Conference Proceeding Retrieved NOVMBER 26, 2016 from http://citeseerx.ist.psu.edu/viewdoc/download?doi=10.1.1.549.9911&rep=rep1&type=pdf

تعليقات

‏قال zambdakaczorowski
Best Casino Apps In The US - MapyRO
Mobile casino apps for 사천 출장안마 real 의왕 출장샵 money have existed for years. You can find apps 여주 출장안마 on Google Play Store 구리 출장안마 for free, including Slots, 나주 출장안마 Blackjack, Roulette, and bingo.

المشاركات الشائعة